لن يرغب الرئيس دونالد ترامب في ما هو أكثر من الإعلان عن إنهاء الحرب التجارية مع الصين وإنقاذ المزارعين في البلاد، الذي تضرروا بشدة بشكل خاص. لكن التاريخ سيقف على الأرجح في طريقه لأسباب خارجة عن إرادته.
في القرن الماضي، منيت الزراعة الأميركية بدورتين كبيرتين من الازدهار والكساد. ويتميز التراجع الحالي بمزيج مألوف من العوامل التي أدت إلى كليهما: أولا، غذى ارتفاع الصادرات معدل النمو. وبعد ذلك، دعمت الحكومة النمو بشكل كبير. وكما هو متوقع، جاء الفشل.
حدث الازدهار الكبير الأول مع اندلاع الحرب العالمية الأولى. ومع انحدار أوروبا في الحرب –وترك الرجال للحقول من أجل القتال –تحولت العديد من الدول إلى الولايات المتحدة بحثاً عن القمح، والذرة وغيرها من المحاصيل، وتضاعفت أسعار معظم السلع الأساسية.
وفي 1916، أصدرت الحكومة الفيدرالية قانون القروض الزراعية الفيدرالية، الذي قدم تمويلاً طويل الأجل للمزارعين، وثبت أنه برنامج شعبي لصناعة لم تشهد سوى الازدهار في الأفق.
وعندما انتهت الحرب، عززت الدول الأوروبية إنتاجها الزراعي، ما خلق وفرة عالمية. وتراجعت الأسعار بمعدل النصف، وانهارت قيمة المزارع، بعد أن كانت قد وصلت مستويات قياسية. وبدأ المزارعون في التعثر في سداد الديون على مدار العشرينيات. ووصلت هذه الأزمة التي كانت تتطور ببطء إلى ذروتها في الكساد الكبير، خاصة بعد فرض الرسوم الحمائية التي قضت على ما تبقى من سوق التصدير الذي كان يوما ما ينبض بالحيوية. وفي عهد الرئيس فرانكلين روزفلت، أصبح المزارعون هم المستفيدون –أو الضحايا، حسبما ترون –من مجموعة هائلة من الإعانات وضوابط الأسعار.
وانتعشت الزراعة الأميركية في نهاية المطاف، ولكن في السبعينيات، عادت المكونات المألوفة الآن لدورة الازدهار والكساد –المساعدات الحكومية والنمو الذي يدفعه التصدير. ولكن هذه المرة لم تكن الحرب هي التي غذت الازدهار الزراعي، ولكن بالأحرى مزيجا من الأحداث الجيوسياسية والسياسات الضريبية التي جعلت الأمور تسير. وكانت النتيجة النهائية هي نفسها.
في أوائل السبعينيات، ومع نظام سعر صرف مرن، انخفضت قيمة الدولار بشكل كبير وبدأ التضخم في الخروج عن نطاق السيطرة. كانت هذه أخبارا سيئة بالنسبة لاقتصاد البلاد، ولكن الخبر السار كان للمزارعين: فالآن يمكنهم المنافسة مع كبار المصدرين الزراعيين الآخرين مثل الأرجنتين.
وبعد أن عانت دول أخرى من فشل في المحاصيل، بدأ المزارعون الأميركيون تصدير كميات هائلة من الحبوب إلى الاتحاد السوفييتي. وبين عامي 1970 و1973 فقط، زادت قيمة صادرات الحبوب والإنتاج الزراعي بأكثر من الضعف.
وفي الوقت ذاته، أبقت الحكومة الفيدرالية على الكثير من دعم الأسعار وغيره من أشكال الدعم، ما جعل القطاع الزراعي يبدو مكانا مضمونا للاستثمار. واستمر المزارعون في اقتراض الأموال لشراء الأراضي، وجمع المزيد من الأصول التي تزداد قيمتها ارتفاعا.
وشجعت السياسات الضريبية الحكومية المزارعين على الاستمرار في التوسع. وفي مقابلة لصحيفة «نيويورك تايمز» مع أحد المزارعين الذي واصل شراء الأراضي والمعدات، قال إنه «استيقظ ليجد نفسه أكثر ثراء بقيمة 8000 دولار بفضل ارتفاع قيمة الأراضي».
وانهار كل شيء. حدثت زيادة في عبء الديون على المزارعين. وغزا السوفييت أفغانستان، مما دفع الرئيس جيمي كارتر إلى إطلاق حظر على الحبوب. ومع تراجع التضخم وارتفاع قيمة الدولار مقارنة بالعملات الأخرى، رأى المزارعون الأميركيون عالمهم وهو ينهار.
وكانت النتيجة تكرار لما حدث في العشرينيات: تعثر في السداد وإفلاس تجار المعدات الزراعية وغير ذلك من الأحداث الكريهة. ونفّس المزارعون عن غضبهم في انتخابات 1980، ليجعلوا الرئيس كارتر رئيساً لفترة واحدة. لكن الأزمة استمرت لسنوات عديدة. وفي نهاية الثمانينيات، كان الجميع يتحدث عن محنة المزارع الأميركي.
والآن، فإن الدورة تتكرر في القرن الحادي والعشرين. هذه المرة، الصين هي التي تصعد باعتبارها المشتري الأكثر وضوحاً للمحاصيل الأميركية، لا سيما فول الصويا. ومع ذلك، فإن واشنطن، مرة أخرى، جعلت الأمور أكثر سوءاً. في عام 2005، ظهر برنامج فيدرالي جديد: معيار الوقود المتجدد. ومن خلال تقديم حوافز ضخمة، ساعد ذلك على زيادة زراعة الذرة لإنتاج الإيثانول بمقدار عشرة أضعاف. لقد أدت حرب الرئيس ترامب مع الصين إلى تدمير المزارعين الذين يعتمدون على الصادرات. وفي الوقت نفسه، بدأت وكالة حماية البيئة في إعفاء المصافي من متطلبات إضافة الإيثانول إلى البنزين وغيره من أنواع الوقود. ربما يكون ترامب هو المحفز للأزمة المقبلة، لكن النماذج التاريخية تشير إلى أن هذه اللحظة ستأتي عاجلا أم آجلا. وهذا يعني أننا سنسمع المزيد من مشاكل المزارعين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
في القرن الماضي، منيت الزراعة الأميركية بدورتين كبيرتين من الازدهار والكساد. ويتميز التراجع الحالي بمزيج مألوف من العوامل التي أدت إلى كليهما: أولا، غذى ارتفاع الصادرات معدل النمو. وبعد ذلك، دعمت الحكومة النمو بشكل كبير. وكما هو متوقع، جاء الفشل.
حدث الازدهار الكبير الأول مع اندلاع الحرب العالمية الأولى. ومع انحدار أوروبا في الحرب –وترك الرجال للحقول من أجل القتال –تحولت العديد من الدول إلى الولايات المتحدة بحثاً عن القمح، والذرة وغيرها من المحاصيل، وتضاعفت أسعار معظم السلع الأساسية.
وفي 1916، أصدرت الحكومة الفيدرالية قانون القروض الزراعية الفيدرالية، الذي قدم تمويلاً طويل الأجل للمزارعين، وثبت أنه برنامج شعبي لصناعة لم تشهد سوى الازدهار في الأفق.
وعندما انتهت الحرب، عززت الدول الأوروبية إنتاجها الزراعي، ما خلق وفرة عالمية. وتراجعت الأسعار بمعدل النصف، وانهارت قيمة المزارع، بعد أن كانت قد وصلت مستويات قياسية. وبدأ المزارعون في التعثر في سداد الديون على مدار العشرينيات. ووصلت هذه الأزمة التي كانت تتطور ببطء إلى ذروتها في الكساد الكبير، خاصة بعد فرض الرسوم الحمائية التي قضت على ما تبقى من سوق التصدير الذي كان يوما ما ينبض بالحيوية. وفي عهد الرئيس فرانكلين روزفلت، أصبح المزارعون هم المستفيدون –أو الضحايا، حسبما ترون –من مجموعة هائلة من الإعانات وضوابط الأسعار.
وانتعشت الزراعة الأميركية في نهاية المطاف، ولكن في السبعينيات، عادت المكونات المألوفة الآن لدورة الازدهار والكساد –المساعدات الحكومية والنمو الذي يدفعه التصدير. ولكن هذه المرة لم تكن الحرب هي التي غذت الازدهار الزراعي، ولكن بالأحرى مزيجا من الأحداث الجيوسياسية والسياسات الضريبية التي جعلت الأمور تسير. وكانت النتيجة النهائية هي نفسها.
في أوائل السبعينيات، ومع نظام سعر صرف مرن، انخفضت قيمة الدولار بشكل كبير وبدأ التضخم في الخروج عن نطاق السيطرة. كانت هذه أخبارا سيئة بالنسبة لاقتصاد البلاد، ولكن الخبر السار كان للمزارعين: فالآن يمكنهم المنافسة مع كبار المصدرين الزراعيين الآخرين مثل الأرجنتين.
وبعد أن عانت دول أخرى من فشل في المحاصيل، بدأ المزارعون الأميركيون تصدير كميات هائلة من الحبوب إلى الاتحاد السوفييتي. وبين عامي 1970 و1973 فقط، زادت قيمة صادرات الحبوب والإنتاج الزراعي بأكثر من الضعف.
وفي الوقت ذاته، أبقت الحكومة الفيدرالية على الكثير من دعم الأسعار وغيره من أشكال الدعم، ما جعل القطاع الزراعي يبدو مكانا مضمونا للاستثمار. واستمر المزارعون في اقتراض الأموال لشراء الأراضي، وجمع المزيد من الأصول التي تزداد قيمتها ارتفاعا.
وشجعت السياسات الضريبية الحكومية المزارعين على الاستمرار في التوسع. وفي مقابلة لصحيفة «نيويورك تايمز» مع أحد المزارعين الذي واصل شراء الأراضي والمعدات، قال إنه «استيقظ ليجد نفسه أكثر ثراء بقيمة 8000 دولار بفضل ارتفاع قيمة الأراضي».
وانهار كل شيء. حدثت زيادة في عبء الديون على المزارعين. وغزا السوفييت أفغانستان، مما دفع الرئيس جيمي كارتر إلى إطلاق حظر على الحبوب. ومع تراجع التضخم وارتفاع قيمة الدولار مقارنة بالعملات الأخرى، رأى المزارعون الأميركيون عالمهم وهو ينهار.
وكانت النتيجة تكرار لما حدث في العشرينيات: تعثر في السداد وإفلاس تجار المعدات الزراعية وغير ذلك من الأحداث الكريهة. ونفّس المزارعون عن غضبهم في انتخابات 1980، ليجعلوا الرئيس كارتر رئيساً لفترة واحدة. لكن الأزمة استمرت لسنوات عديدة. وفي نهاية الثمانينيات، كان الجميع يتحدث عن محنة المزارع الأميركي.
والآن، فإن الدورة تتكرر في القرن الحادي والعشرين. هذه المرة، الصين هي التي تصعد باعتبارها المشتري الأكثر وضوحاً للمحاصيل الأميركية، لا سيما فول الصويا. ومع ذلك، فإن واشنطن، مرة أخرى، جعلت الأمور أكثر سوءاً. في عام 2005، ظهر برنامج فيدرالي جديد: معيار الوقود المتجدد. ومن خلال تقديم حوافز ضخمة، ساعد ذلك على زيادة زراعة الذرة لإنتاج الإيثانول بمقدار عشرة أضعاف. لقد أدت حرب الرئيس ترامب مع الصين إلى تدمير المزارعين الذين يعتمدون على الصادرات. وفي الوقت نفسه، بدأت وكالة حماية البيئة في إعفاء المصافي من متطلبات إضافة الإيثانول إلى البنزين وغيره من أنواع الوقود. ربما يكون ترامب هو المحفز للأزمة المقبلة، لكن النماذج التاريخية تشير إلى أن هذه اللحظة ستأتي عاجلا أم آجلا. وهذا يعني أننا سنسمع المزيد من مشاكل المزارعين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ستيفن ميهم
أستاذ التاريخ بجامعة جورجيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»